جديدي , كل الكلمات وكل السطور من نسج الخيال
وجدت أمي
في تلك الليلة
المظلمة , سمعت صوتاً غريباً نوعا ما , لا
اعلم من أين هو ولا مصدرة , تأملت في ذاك الصوت كثيرا , فتذكرت تلك الليلة التي
تهت في الغابة الموحشة التي لا استطيع نسيانها , تذكرت تلك الأغصان الجافة , تذكرت
ذلك العشب الجاف , تذكرت الظلام الدامس .
ألان أنا امشي
وحيدة حزينة لا اعلم إلى أين اذهب, اسمع صوت الذئاب تجري خلفي. توقفت قليلا أفكر
عن سبب لهذا التصرف , فلم أجد ولم أدرك أن الذئاب اقتربت مني , وما أن سمعت صوتها
حتى طرت بعيدا فوق الأشجار الجافة , وحينها رأيت القمر بدرا منيرا , فجلست أتأمل
جماله وحسنه , أغمضت عيني وتذكرت أمي وأبي كم اشتقت إليهم , كم تمنيت لو يكونا معي
هنا.
فتحت عيني و رأيت
المطر يهطل بغزارة شديدة, لا اعرف أين
المفر والى أين المسير , نزلت من أعلاها فوجدت زياً على شكل ذئب مخيف , رأيت خلفي أشجارا وعظاما وعشبا جافا, ورأيت
أمامي بركة ماء , وعشب اخضر طري, جميل يمتد من هنا إلى المدى البعيد .
حينها لازلت
أفكر ماذا حدث للذين يجرون خلفي ؟ وإلى أين ذهبوا ؟ , أبصرت من مكان بعيد شخصا
يلوح لي تعالي , يحاول مساعدتي يصرخ بأعلى صوته : تعالى بسرعة ,هيا لا تتوقفي , في
بداية الأمر لم أعرف من صاحب هذا الصوت ! , ولكن قادني الفضول وسار بي لأعرف ماذا يختبئ
هناك , ماذا سوف أرى ؟ , خلف العشب طويل المدى , ومشيت إلى أن رأيت قرية صغيرة جميلة
المنظر , زكية الرائحة , أبصرتها من كل الجهات , أين اصحاب القرية ؟ , ومن ذلك الشخص الذي صرخ بأعلى صوته تعالي هنا
. حل الليل وليس مكان ارتاح فيه , واشتد البرد , وهبت عاصفة , لم أتمالك نفسي
فدخلت أحد البيوت أحتمي فيه إلى أن تهدأ العاصفة .
دخلت وسمعت صوتا يخرج من أحد غرف المنزل أصوات كأنها
مجموعة من الناس قد اجتمعوا, يتحدثون عن حال القرية وإلى أي مستوى قد وصلت, لا
أعلم ماذا جرى بعدها ولكن استيقظت وأنا على سرير في غرفة جميلة , تطل على غابات من
أشجار غريبة , جلست أتأمل المنظر وأين أنا
الآن , رأيت باب الغرفة مفتوح , تخرج منه امرأة جميلة المنظر منير وجهها , اقتربت
مني وسألتها : من أنتِ ؟ وكيف وصلت إلى هنا ؟
ابتسمت في وجهي وقالت: لازلت متعبة يا ابنتي ارتاحي هنا,
فهذه في غرفتك وهذا هو منزلك, وأما أنا صاحبة هذا المنزل. ومن أنتِ ومن أين أنت ِ.
حكيت قصتي كلها حين كنت في الظلام إلى أن وصلت إلى هنا
وكيف نداني ذلك الشخص.
إلى أن حلّ الليل, فقالت لي: نامي الآن وغدا نكمل.
وأنا نائمة رأيت أمي تبتسم لي وتقول عليك بالصبر يا
فتاتي ولكن لم استطع تحديد شكلها فكانت تذهب بعيدا وأنا اصرخ: أمي إلى أين تذهبين
؟ , تبسمت وقالت قريبا ستأتين إلي لن يطول الأمر واختفت وتلاشت, صرخت بأعلى صوتي
أمي, أمي وأنا أبكي استيقظت من نومي وأنا خائفة وتدخل بسرعة صاحبة المنزل, أخذتني
إلى حضنها, وحدثتني قليلا لا تقلقي فأنا هنا بمنزلة والدتكِ, بوحي بما شئتِ عزيزتي
.
قلت لها : أريد أمي , أريد أبي أين هم ؟! , فسال الدمع
مثل سيلان الماء في الأنهار لا ينتهي .
قالت لي: لماذا لا تبقين هنا ؟ فأنا وحيدة ليس لدي أبناء
ولكن لدي أهل القرية فهم أناس طيبون يحبون الخير للجميع . خجلت في بداية الأمر
وأصررت على الذهاب ولكنها ألحت علي , حتى بقيت ..
ومرت الأيام والتحقت بمدرسة من أجمل المدارس وكونت
صداقات مع فتيات سمعتهن جميلة , أحببتهم وأحبوني , نصحتهم ونصحوني , صحبتي هي
الأفضل دائما . والمعلمات أيضا من أجمل المعلمات ليس كالبشر الآخرين يحترمون الغير
, ولا تسمع منهم سوى الكلام الطيب حتى انك تشعر بالحماس في أثناء شرحهم الدرس.
وفي صباح أحد
الأيام كنت أتناول الإفطار وأتأمل أشجار الغابة, فجاءت أمي التي احتضنتني ورحبت
بي, وطلبت أن أذهب إلى غرفتها لأحضر كوبها الخاص .
فقالت: هل من الممكن أن تذهبي إلى حجرتي وتحضري كوبي
فأنا لا أحب أن أشرب إلا به .
فتحت باب الغرفة اتجهت إلى الكوب وأخذته ولكن نظرت إلى
مابجانبه فإذا هو إطار يحتوي على صورة
لطفلة جميلة , ذكرتني بنفسي حين كنت صغيرة .
أخذت الكوب وذهبت به إلى أمي , لمحت تغيرا في وجهي .
فقالت :
مابك؟ , قلت لها : من الذي في الصورة ؟.
فأجابت : هي طفلتي التي ودعتها عند السابعة من عمرها .
قلت كيف ذلك ؟
فحكت لي قبل عدة سنوات شبت حرب بين قريتين فانتصرت
قريتنا على تلك القرية والسبب لفقدانها انتقاما لزعيمهم اختطفوا ابنتها.
أخذتني الذكريات إلى مكان بعيد حيث كنت أعيش بين أسرة لا
تعرف معنى الرحمة, قاسية من جميع النواحي , لا اذكر يوما قضيت في منزلها إلا
والعصي والتعذيب يرافقاني , ولكن الغريب لم أصبح قاسية ! ولا حتى عصبية.
مضت بي الشهور والسنين والأيام, وأنا أشعر وكأنني أعرفها
منذ زمن طويل, قبل أن أصارحها أقبلت هي وتكلمت وقالت: أنت تشبهين ابنتي في تصرفاتك
في طريقة كلامك.
بعد فترة طويلة بدأت استرجع ذكرياتي , أذكر أنني كنت في
هذا المكان, اذكر أنني كنت بين أناس تكسوهم الطيبة و الحنية , أذكر أن لي أم
ترعاني , بدأت أتذكر ذلك الصوت الذي يناديني يا طفلتي لقد حل المساء هيا لندخل حين
كنت العب في حديقة المنزل .
تذكرت ذلك الصوت الذي كان يناديني في وسط الظلام, إنه
أبي , نعم أبي الحنون الذي مات دفاعاً عن قريته وأسرته, تذكرت صوت أمي وهي تصرخ
ابنتي اتركوها. لم أتمالك نفسي من البكاء ذهبت إليها وقلت لها أنني اذكر أبي واذكر
ذلك الرجل الذي أخذني كان طيب القلب لا يعلم لماذا يقبل على فعل مثل هذا! ولكن اصحابه
لم يكونوا كذلك بل كانت صفه العنف تكسوهم , تبسمت في وجهي وأخذتني بالأحضان وقالت:
أعلم هذا , أعلم أنك ابنتي منذ البداية , ولكن خشيت أن لا تصدقيني.المهم الآن أنه
اجتمع شملنا أخيرا .
بقلم: هند الكمالي